من المهم دراسة أيّ تحليل أو قراءة حول الثورة السورية،لعلّ فيها ما يُفيد سوريا وثورتها.ولكن حين تصبح بعض تلك التحليلات من المسلّمات والبديهيات في الثورة،فيجب علينا عندها أن ندققها ألف مرة،وأن نقف ضد انتشارها بكل قدرتنا في حال لمسنا أنّ نتائجها مضرّة بالثورة،وأن نوضّح للجميع بأنها "تحليلات"،وليست "مسلمات".والفرق بينهما كبير.بعد أشهر من تصدّر موضوع الدويلة العلوية للعناوين بسبب أهميته وخطورته ،صار من الواجب علينا أن نقرأه من خلال قاعدة "من المستفيد" ،خصوصاً بعد جرائم النظام في البيضا والقصير وحمص والتي أوضحت أنّ العصابة تريد التأكيد أنّ الدويلة العلوية هي خيارها القادم ،لا بل والقريب جداً جداً.
لنحاول عرض ما جنته الثورة نتيجة تحول تحليل "قيام الدويلة العلوية" إلى بديهية عند الكثير من الثوار؛ولنحاول استنتاج من المستفيد من ذلك.وبناء عليه نستطيع أن نقرر هل يجب أن نزيد من ترسيخ هذه القناعات لدى الثوار أم يتوجب علينا اقتلاعها كما زرعناها.
لقد استفادت الثورة بسبب اعتبار "الدويلة العلوية" من المسلمات زيادة بسيطة في الحشد من أجل جبهة حمص،بينما استفاد النظام بالتالي:
أولاً: إقناع أفراد جيشه وشبيحته أنّ لديهم مكاناً آمناً يستطيعون اللجوء إليه مهما رجحت كفة الثورة في باقِ مناطق سوريا،وأنّ هذا المكان سيكون دولة قائمة بحد ذاتها تستطيع أن تحميهم من أي محاسبة أو مساءلة عن جرائمهم .
ثانياً:تهوين أي خسارة في أي معركة خارج حدود دويلته المتوهمة، بذريعة أنّ تركيز النظام هو على مناطق "دولته المستقبلية" وأنّ مايقوم به في المناطق الأخرى هو "ترف عسكري" .
ثالثاً (والأخطر):إيصال رسائل للكتائب في المناطق المحررة التي لاتقع في حدود "الدويلة العلوية" المتوهمة بأنّ النظام لم يعد يطمع كثيراً في استرجاع مناطقهم وبسط سيطرته المطلقة عليها.
وهذه الفكرة هي الأهم والأخطر،لأنّ اقتناع بعض الكتائب بها-ويبدو أنّ البعض قد اقتنع فعلاً-سيكون له تداعيات خطيرة وكبيرة قد بدأنا نرى بعضها.فعندما تشعر تلك الكتائب أنّ الخطر الذي يتهددها قد زال فإنّ بعضها-للأسف-ستظنّ أنّ دورها قد انتهى،وأنّ بقاءها في مكانها وحماية مناطقها الضيقة سيحميها من خسارة المزيد من الرجال والممتلكات.وقد يدخل بعضها في هدنة مع النظام ،لاعتقادهم أنّ الخطر الذي يبتعد عنهم حالياً لن يعود إليهم مرة أخرى،لأنّهم خارج الحدود التي يريدها النظام لدويلته القادمة.كذلك قد تبدأ بعض الكتائب المخلصة بالاقتناع أنّ تحركها لن يؤثّر مع ماتسمعه من روايات التآمر،والذي يساعد على ترويجه بعض الناشطين بعفوية،وربما قد تصل إلى قناعة أنّ الدويلة العلوية قادمة لامحالة،وأنّ السعي لتحرير مناطق جديدة لن يخلق تغيراً في المعادلة المحسومة .
إنّ تصرفات النظام على الأرض تقول بأنّه يريد استعادة سوريا كلها،ويبدو أنّه ينفذ نصائح روسية بالقتال كي يستعيد سوريا كلها أو يخسرها كلها.فربما تكون قضية خلق ولاية إيرانية قريبة من أوروبا وإسرائيل على المتوسط خارج قدرات روسيا،كما أنّ حماية حدود تلك الدويلة من ثوار لهم مع نظامها وشبيحتها ثارات وثارات أمرٌ أشبه بالمستحيل،ومعركة الساحل هي الدليل الجديد على ذلك.
من الواضح استغلال العصابة لمشروع "الدويلة المفترضة" في مهادنة بعض المناطق،والتناسي المقصود لمناطق أخرى،وإشعال الفتن في مناطق أخرى.وحالياً يتوجب علينا التعامل مع حقيقية أنّ النظام يستفيد من ذلك بغض النظر عن الآراء النافية أو المؤكدة لتلك الفرضية،ودون التجاهل المطلق لها،وعلينا العمل بكل قدرتنا على إعادة ترسيخ بديهيات الثورة لدى الجميع وخاصة لدى القوى المقاتلة بأنّ سوريا كلها هي هدف للنظام،وأنّه يريد أن يُعيد احتلالها شبراً شبراً ،وبأنّ على الكتائب أو المناطق التي تظنّ أنّها في مأمن الآن،أن تدرك أنّ النظام سيعود إليها بعد انتهائه من استعادة المناطق التي أوهمنا بأنّه لايريد غيرها،وبأنّ كل من تجرّأ وحمل السلاح في وجهه سيكون هدفاً عاجلاً أو آجلاً له في حال استعاد سوريا -لاقدر الله-.
كما قمنا نحن بالترويج لموضوع "الدويلة العلوية" يتوجب علينا الآن استخدام إعلامنا وقنواتنا وصفحاتنا على المدى الأشهر القادمة لإعادة ترسيخ بديهيات الثورة تلك.أما من لم يقتنع بما سبق فلا نطلب منه سوى نشر فكرة بسيطة وحقيقية ومهمة جداً للثورة مفادها "أنّ الثائر الذي يقاتل في أقصى حدود سوريا لن يكون في مأمن من بطش النظام حتى تحرير كل سوريا من بشار وعصابته،وأنّ تخفيف الضغط عن إخوته في المناطق البعيدة عنه اليوم هو دفاع عن نفسه في الغد " مع العلم أنّ الكثير يقاتل نصرة لإخوته طبعاً.ومدرسة غدر حافظ الأسد غنية عن التعريف،فلا يظنّ حتى حزب الاتحاد الديمقراطي أنه بعيد عن غدر النظام،لو أنّه يتفكّر !
محمد اللادقاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق