الخميس، 14 فبراير 2013

الخوارزمي والتتار وثورتنا !

 

كنتُ أظنّ أنّ قطز هو أول من انتصر في معركة كبيرة وحاسمة على التتار،إلى أن قرأت عن رجل آخر اسمه جلال الدين الخوارزمي،والذي حارب التتار وحقق نصراً كبيراً عليهم قبل قطز بحوالي أربعين عاماً.
جلال الدين الرومي هو ابن السلطان علاء الدين الخوارزمي،ذلك السلطان الذي تمت هزيمته وزوال دولته على أيدي التتار،فهام على وجهه في البلاد،وعهد قبل موته لابنه جلال الدين بالسلطنة.
بدأ جلال الدين بتوحيد الصفوف لمحاربة التتار والانتصار للدماء والأعراض التي أنتهكوها،فجمع الكثير من الأحرار والأبطال الذين احترقت قلوبهم على ماجرى للبشر والحجر.ورغم أنّه قد بدأ مع قلة قليلة إلا أنّ قيامه بتجميع الناس على هدف دحر التتار أمكنه من تحقيق انتصاراً عظيماً عليهم في معركة كبيرة،جعلت أحلام زعيم التتار جنكيزخان-جد هولاكو- تهتز خوفاً.وكان ذلك في عام 1221 ميلادي
كان مجرد انتشار خبر هزيمة التتار نصراً كبيراً ثارت بسببه مدن عديدة ضدهم بعد أن ظنّت أنّ يوم الخلاص والحرية قد اقترب،ولكن للأسف فقد حدث أمراً مريعاً كسر حلم الخلاص القريب........فما الذي جرى؟!
الاختلاف والفرقة....نعم،هذه هي التي كانت القاصمة،فبعد النصر الأول والكبير الذي حققه جلال الدين وجيشه بدأت الخلافات بين "الزعامات"،وعوضاً أن يزيدهم نصرهم قوة وأملاً لتحرير أهلهم الذين كانوا يذوقون الوبال والعذاب،فقد فرقت شهوات الزعامة والمال وحبّ الظهور والغنائم قلوبهم وباعدت صفوفهم،فكان أن تمزّق الجيش وانسحب أحد أكبر قادته وجنده وترك الأمير الخوارزمي ليواجه جيش التتار وحيداً.ورغم توسل الخوارزمي إليه كثيراً بالبقاء إلا أنّه أصرّ على التخلي عن مسؤوليته التاريخية،ولم يأبه حتى بدموع الأمير التي نزلت وهو يذكّره بماقد يفعله جيش التتار من دمار بالبلاد والعباد والتي هي بلاده وبلاد أهله كما هي بلاد الأمير الخوارزمي وجيشه.
ثم كان ماكان من هزيمة ساحقة للأمير الخوارزمي على يد المغول،وكان ماكان من توسعٍ هائل للمغول لمدة أربعين عاماً.واحتل فيما بعدها هولاكو دمشق وحلب وحمص،وكاد أن يصل إلى مصر،إلى أن جرت معركة عين جالوت -عام 1260-وانتصر فيها القائد بيبرس والسلطان قطز على جيش هولاكو في معركة عظيمة،وبدؤوا بعدها بتحرير البلاد.
إنّ مجرد ذكر القصة،دون أي تعليق أو تعقيب،يكفي لكي يوصل الهدف من ذكرها الآن،وليشرح أي وبال وألم ينزل بالمختلفين والمتنازعين في الوقت الذي يذوق قومهم الويل والعذاب على أيدي عدو واحد مشترك،تكفي شروره لتوحّد قلوب أعتى الأعداء،فمابالك بأبناء البلد الواحد ! ورغم ذلك فإنّ الموقف والكارثة التي قام بها ذلك القائد تستدعي الوقوف عندها وتأملها وتأمل تصرفه طويلاً بعد أن ترك الخوارزمي وحيداً في تلك المعركة وكان السبب الأول في هزيمته.
ليتنا نستطيع أن نعرف شعوره وإحساسه بعد أن قضى المغول على الخوازمي ووقعت بلاد المسلمين بعد ذلك في أيديهم لأكثر من أربعين عاماً،فهدموها وقتلوا أهلها واستباحوا كل شيء فيها.تُرى ماكان شعوره عندما كانت تصله أخبار اغتصاب حرائر بلاده ! ليتنا نستطيع حقاً أن نمسك كتفيه ونهزّه ونقول له بلهجة اليوم:(انبسطت هيك).
ليتنا نستطيع أن نصرخ بوجه كل من يعمل للثورة الآن ،ويعمل في نفس الوقت لمجده ونفسه،ثم يرجّح كفة مصلحته في حال تعارضت مع مصلحة الثورة والثوار،ليتنا نستطيع أن نصرخ في وجهه ونخبره أن استمراره في نذالاته ستحرقنا جميعاً وتحرق سوريتنا وسوريته،قبل أن تحرقه وحده في جهنم الآخرة.
لا أدري ماهي الأوصاف التي كانوا يستخدموها في ذلك الزمان لمن كان يقاتل المغول،ولكنّي أعلم أنّه يسمى في وصف زماننا ب(ثائر) ضد المغول.بالطبع قبل أن يتخلى عن ثوريته ومسؤوليته وشرفه.
نعم فلقد كان "ثائراً" قاتل المغول وشارك في تحقيق الانتصار الأول على المغول،ولكنّه عندما وضع  حبّه للظهور والزعامة والمال في ميزان واحد مع مصالح الثورة والثوار ،فإنّه لم يستطيع مقاومة أهوائه ورجّح كفتها،بل  وربما لم يكن في خاطره أن نذالته وتخاذله في ذلك الموقف سيجرّ كل ذلك الوبال الفظيع على بلاده وبلاد المسلمين والعرب.وربما لو علم ماسيجري لما ترك الخوارزمي وحيداً مهما جرى،تماماً كما هو حال البعض الآن عندما يقولون لأنفسهم:وماذا ستؤثر بعض الأنانية والتسلق بما يسمح لي  ببناء مستقبلي طالما أنّي أعمل للثورة كذلك !
لايكفي أن نكون ثواراً وحسب،فاختبار الثائر بعد أن رضي بتحمل مشقة ثورته هو الأكبر،ومن لم يضع مصلحة سوريا والناس والثورة قبل شهوات السلطة والزعامة والمال بدرجات كثيرة كثيرة،فسيأتي اليوم الذي سيعضّ على يديه بعد أن قتل ثوريته وأحرق نفسه ومن حوله .وعندها سيكون،ولات ساعة مندم!

محمد اللادقاني

هناك تعليقان (2):

  1. "لايكفي أن نكون ثواراً وحسب،فاختبار الثائر بعد أن رضي بتحمل مشقة ثورته هو الأكبر،ومن لم يضع مصلحة سوريا والناس والثورة قبل شهوات السلطة والزعامة والمال بدرجات كثيرة كثيرة،فسيأتي اليوم الذي سيعضّ على يديه بعد أن قتل ثوريته وأحرق نفسه ومن حوله .وعندها سيكون،ولات ساعة مندم!
    "
    رائع جدًا يا صديقي محمد.. ت

    ردحذف
  2. رائع جزاك الله خيرا
    وحد الله صفوفنا وجمع قلوبنا برحمته

    ردحذف