كل تلك العبارات أصبحت منتشرة بشكل كبير،وترديد بعضها بصراحة أحياناً ،هو حقّ أُريد به باطل.
فهل هناك صورة منطقية ياترى تستطيع أن تجمع بينها جميعاً؟
لنحاول ترتيب بعض الأفكار المبعثرة التي سيولد الجواب تلقائياً منها:
1-الثورة بدأت سلمية؛أي أنّ صنّاعها أشخاص مدنيون؛وهي حقيقية لاتحتاج إلى نقاش.وقد استشهد الكثير من الثوار الطيبين الذين لم يحملوا السلاح،ومع ذلك لا أحد يستطيع أن يجادل في درجة ثوريتهم.وهناك ثوار مدنيون-استمروا في خدمة الثورة كمدنيين-لايقلّون عن العسكريين أو المدنيين العسكريين أهمية ووطنية وشجاعة ووزناً.
2-ليس كل من يوصف بأنه من ثوار الخنادق يعمل في مصلحة الثورة وسوريا.
3-ليس كل من يوصف بثوار الفنادق هو دخيل على الثورة،ولاينفعها وينفع الثوار.فوجود بعضهم-لا كلهم طبعاً-ضرورة حكماً.مع العلم بأني لست منهم،ولا أضع نفسي في موضع الدفاع عنهم.
4-من الواجب وجود جسم عسكري موحد أو شبه موحد تنضم تحته أغلب القوى الفاعلة والمؤثرة في الحراك الثوري العسكري.
5-من الواجب والطبيعي وجود جسم سياسي يمثّل الثورة،ويتحدث باسمها،على أن يكون مدعوماً من حاضنة شعبية أولاً،ومن أغلب القوى العسكرية الثورية ثانياً.وإلا فهو لايمثل إلا نفسه.
المشكلة اليوم معروفة،ولاتحتاج إلى كثير من الشرح.فهناك خلافات بين السياسيين المتمثلين بالائتلاف،وبين القوى العسكرية الفاعلة على الأرض،والتي كان السياسيون سببها الأكبر.بيد أنّ إبقاء هذا التنافر بين هذين الطرفين سيجعل كل منهما يخسر-ويُخسرنا-الكثير مما كسبه وحققه جانبه للثورة،رغم الفارق في الأهمية.
وهنا يكون من الواجب علينا كثوار أن نقف بين الطرفيين وأن ندفعهما للتقارب،بالضغط على كلاهما،وعدم المبالغة في الاصطفاف إلى جانب أحدهما إلا بالمقدار الذي يضغط على الطرف الآخر بما يُوجد حلّ للمشكلة،حتى وإن كانت قلوب أغلبنا مع أحدهما؛وهو الطرف الذي يدافع عنّا بدمه طبعاً.
ألا يكفي أكثر من عامين ونصف على الثورة،حتى يتضّح للسوريين من هم السياسيون الجديرون بالثقة،ومن هي الكتائب الجديرة بقيادة العمل العسكري أو تصدّره؟!
إذا لم يكن قد اتضح بعد للكتائب المخلصة ذلك،ولا للسياسين المخلصين ذلك،ولا للثوار المخلصين ذلك.فالعيب فيهم وفينا جميعاً إذاً.وليس علينا أن نلوم إلا أنفسنا !
من الواجب على القوى الثورية العسكرية الفاعلة حالياً والتي ترفض الاتئلاف أن تقدم أشخاصاً مدنيين يعتبرونهم امتداداً لهم،وأن توكل إليهم مهمة الانخراط في العمل السياسي كممثلين عنها.وسيقبلهم الثوار بمجرد إظهار ماقدموه للثورة خلال عاميها،وإعلان الثقة بهم من قبل الكتائب الكبيرة والفاعلة،والتي لايجادل في إنجازاتها وأخلاق أفرادها وقادتها أحد.
وإذا كان عدد تلك الشخصيات غير كافٍ،فأليس الصحيح أن تجد تلك الكتائب ممثلين لها،سواءً من السياسين الذين تواصلت معهم خلال الثورة ووجدت أنهم على خير،أو من سياسي الائتلاف أو خارجه؟وأليس من الخير للثورة أن يجتمع أولئك الممثلين الحقيقين فيما بينهم وبين السياسين الذين يتصدرون المشهد للوصول إلى نتيجة تُرضى الجميع بين القوى العسكرية والسياسية.
من واجبنا الدفع نحن نحو ذلك التقارب،لا أن نزيد النار اشتعالاً،ولا الفرقة بعداً.فليس من صالح الثورة أن تكون هناك طبقة سياسية يتم التعامل معها دولياً وهي مرفوضة شعبياً،ولا أن يكون هناك طبقة عسكرية،لايتم التعامل معها دولياً،أو تتم معاملتها كقوة عسكرية فقط،رغم وجود شارع عريض يدعمها،ورغم أنّ الكثير من أفرادها وقادتها مدنيون قد انخرطوا بالعمل العسكري فأصبحوا عسكريين بامتياز،وربما سبقوا العسكريين بالكثير،فصار من غير الممكن أن يتم التعاطي معهم إلا كعسكريين.
كان العالم منذ البداية يردد أنّ السوريين يقتلون بعضهم بعضاً،وهذه المستجدات الجديدة ستجعل المقولة تتعدّل أنّ الثوار السوريين لايستطيعون أن يشكلوا معارضة منسجمة سياسياً وعسكرياً،فكيف لهم أن يحكموا بلداً !؟
محمد اللادقاني